سورة النساء - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} عن قتال المشركين، وأَدُّوا ما فُرض عليكم من الصَّلاة والزَّكاة. نزلت في قوم من المؤمنين استأذنوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهم بمكَّة في قتال المشركين، فلم يأذن لهم {فلما كتب عليهم القتال} بالمدينة {إذا فريقٌ منهم يخشون الناس} أَيْ: عذاب النَّاس بالقتل {كخشية الله} كما يخشى عذاب الله {أو أشدَّ} أكبرَ {خشية} وهذه الخشية إنَّما كانت لهم من حيث طبع البشريَّة، لا على كراهية أمر الله بالقتال {وقالوا} جزعاً من الموت، وحرصاً على الحياة: {ربنا لمَ كتبت} فرضتَ {علينا القتال لولا} هلاًّ {أخرتنا إلى أجل قريب} وهو الموت، أَيْ: هلاَّ تركتنا حتى نموت بآجالنا، وعافيتنا من القتل، {قل} لهم يا محمَّدُ: {متاع الدنيا قليل} أجل الدُّنيا قريبٌ، وعيشها قليلٌ {والآخرة} الجنَّةُ {خيرٌ لمن اتقى} ولم يُشرك به شيئاً {ولا تظلمون فتيلاً} أَيْ: لا تُنقصون من ثواب أعمالكم مثل فتيل النَّواة، ثمَّ أعلمهم أنَّ آجالهم لا تخطئهم ولو تمنَّعوا بأمنع الحصون، فقال: {أينما تكونوا يردككم الموت ولو كنتم في بروج} حصونٍ وقصور {مشيدة} مطوَّلة مرفوعة. وقيل: بروج السَّماء {وإن تصبهم} يعني: المنافقين واليهود {حسنة} خصب ورخص سعر {يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة} جدبٌ وغلاءٌ {يقولوا هذه من عندك} من شؤم محمد، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا قدم المدينة وكفرت اليهود أمسك الله عنهم ما كان قد بسط عليهم، فقالوا: ما رأينا أعظم شؤماً من هذا، نقصت ثمارنا، وغلت أسعارنا منذ قدم علينا، فقال الله تعالى: {قل كلٌّ} أًي: الخصب والجدب {من عند الله} من قِبَل الله {فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً} لا يفهمون القرآن.
{ما أصابك} يا ابن آدم {من حسنة} فتح وغنيمةٍ وخصبٍ فمن تفضُّل الله {وما أصابك من سيئة} من جدبٍ وهزيمةٍ وأمرٍ تكرهه {فمن نفسك} فبذنبك يا ابن آدم {وأرسلناك} يا محمدُ {للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً} على رسالتك.
{من يطع الرسول فقد أطاع الله} يعني: إنَّ طاعتكم لمحمد طاعةٌ لله {ومَنْ تولى} أعرض عن طاعته {فما أرسلناك عليهم حفيظاً} أَيْ: حافظاً لهم من المعاصي حتى لا تقع، أَيْ: ليس عليك بأسٌ لتولِّيه؛ لأنَّك لم ترسل عليهم حفيظاً من المعاصي.
{ويقولون} أَي: المنافقون {طاعةٌ} أَيْ: طاعةٌ لأمرك {فإذا برزوا} خرجوا {من عندك بيَّت} قدَّر وأضمر {طائفة منهم غير الذي تقول} لك من الطَّاعة أَيْ: أضمروا خلاف ما أظهروا، وقدَّروا ليلاً خلاف ما أعطوك نهاراً {واللَّهُ يكتب ما يبيِّتون} أَيْ: يحفظ عليهم ليُجَازَوا به {فأعرض عنهم} أَيْ: فاصفح عنهم، وذلك أنه نُهي عن قتل المنافقين في ابتداء الإِسلام، ثمَّ نُسخ ذلك بقوله: {جاهِد الكفَّار والمنافقين.}


{أفلا يتدبرون القرآن} أَي: المنافقون، أفلا يتأمَّلون ويتفكرون فيه {ولو كان} القرآن {من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} بالتَّناقض والكذب، والباطل، وتفاوت الألفاظ.
{وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن...} الآية. نزلت في أصحاب الأراجيف، وهم قومٌ من المنافقين كانوا يُرجفون بسرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُخبرون بما وقع بها قبل أن يُخبرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَيُضعفون قلوب المؤمنين بذلك، ويُؤذون النبيَّ عليه السَّلام بسبقهم إيَّاه بالإِخبار، وقوله: {أمرٌ من الأمن} حديثٌ فيه أمنٌ {أو الخوف} يعني: الهزيمة {أذاعوا به} أَيْ: أفشوه {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم} ولو سكتوا عنه حتى يكون الرَّسول هو الذي يُفشيه، وأولوا الأمر مثل أبي بكر وعمر وعليٍّ رضي الله عنهم. وقيل: أمراء السَّرايا {لعلمه الذين يستنبطونه} يتبعونه ويطلبون علمَ ذلك. {منهم} من الرسول وأولي الأمر {ولولا فضلُ الله} أي: الإِسلام {ورحمته} القرآن {لاتبعتم الشيطان إلاَّ قليلاً} ممَّن عصم الله، كالذين اهتدوا بعقولهم لترك عبادة الأوثان بغير رسولٍ ولا كتابٍ، نحو زيد بن عمرو، وورقة بن نوفل، وطُلاَّب الدِّين، وهذا تذكيرٌ للمؤمنين بنعمة الله عليهم حتى سلموا من النِّفاق، وما ذُمَّ به المنافقون.
{فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلاَّ نفسك} أَيْ: إلاَّ فعلَ نفسك، على معنى: أنَّه لا ضرر عليك في فعل غيرك، فلا تهتمَّ بتخلُّف مَنْ يتخلَّف عن الجهاد {وحرِّض المؤمنين} حُضَّهم على القتال {عسى الله} واجبٌ من الله {أن يكفَّ} يصرف ويمنع {بأس الذين كفروا} شدَّتهم وشوكتهم {واللَّهُ أشدُّ بأساً} عذاباً {وأشدُّ تنكيلاً} عقوبة.
{مَنْ يشفع شفاعة حسنةً} هي كلُّ شفاعة تجوز في الدِّين {يكن له نصيبٌ منها} كان له فيها أجر {ومَنْ يشفع شفاعة سيئة} أَيْ: ما لا يجوز في الدين أن يشفع فيه {يكن له كفلٌ منها} أيْ: نصيبٌ من الوِزر والإِثم {وكان الله على كلِّ شيءٍ مقيتاً} مقتدراً.
{وإذا حييتم بتحيَّةٍ} أَيْ: إذا سُلِّم عليكم بسلامٍ {فحيوا بأحسن منها} أَيْ: أجيبوا بزيادةٍ على التحيَّة إذا كان المُسَلِّم من أهل الإِسلام {أو ردُّوها} إذا كان من أهل الكتاب. فقولوا: عليكم، ولا تزيدوا على ذلك. {إنَّ الله كان على كلِّ شيء حسيباً} حفيظاً مجازياً.
{الله لا إله إلاَّ هو ليجمعنَّكم} أَيْ: واللَّهِ ليجمعنَّكم في القبور {إلى يوم القيامة لا ريبَ فيه} لا شكَّ فيه {ومَنْ أصدقُ من الله حديثاً} أَيْ: قولاً وخبراً، يريد: أنَّه لا خُلفَ لوعده.


{فما لكم في المنافقين فئتين} نزلت في قومٍ قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقاموا ما شاء الله، ثمَّ قالوا: إنَّا اجتوينا المدينة، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم أَنْ يخرجوا، فلمَّا خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلةً مرحلةً، حتى لحقوا بالمشركين، فاختلف المؤمنون فيهم، فقال بعضهم: إنَّهم كفار مرتدُّون، وقال آخرون: هم مسلمون حتى نعلم أنَّهم بدَّلوا، فبيَّن الله كفرهم في هذه الآية، والمعنى ما لكم مختلفين في هؤلاء المنافقين على فئتين، على فرقتين {والله أركسهم} ردَّهم إلى حكم الكفَّار من الذُّلِّ والصَّغار، والسَّبي والقتل {بما كسبوا} بما أظهروا من الارتداد بعدما كانوا على النِّفاق {أتريدون} أيُّها المؤمنون {أن تهدوا} أَيْ: ترشدوا {مَنْ أضلَّ الله} لم يرشده الله، أَيْ: يقولون: هؤلاء مهتدون، والله قد أضلَّهم {ومَنْ يضلل الله فلن تجد له سبيلاً} أَيْ: ديناً وطريقاً إلى الحجَّة.
{ودُّوا} أَيْ: هؤلاء {لو تكفرون كما كفروا فتكونون} أنتم وهم {سواءً فلا تتخذوا منهم أولياء} أَيْ: لا تُوالوهم ولا تُباطنوهم {حتى يهاجروا في سبيل الله} حتى يرجعوا إلى رسول الله {فإن تولوا} عن الهجرة وأقاموا على ما هم عليه {فخذوهم} بالأسر {ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً} أيْ: لا تتولوهم ولا تستنصروا بهم على عدوِّكم.
{إلاَّ الذين يصلون} أَيْ: فاقتلوهم حيث وجدتموهم إلاَّ الذين يتصلون ويلتجئون {إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} فيدخلون فيهم بالحلف والجوار {أو جاؤوكم حصرت صدورهم} يعني: أو يتصلون بقوم جاؤوكم وقد ضاقت صدورهم بقتالكم، وهم بنو مدلجٍ كانوا صلحاً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا بيان أنَّ مَن انضمَّ إلى قومٍ ذوي عهدٍ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فله مثلُ حكمهم في حقن الدم والمال، ثمَّ نُسخ هذا كلُّه بآية السَّيف، ثمَّ ذكر الله تعالى مِنَّته بكفِّ بأس المعاهدين فقال: {ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} يعني: إنَّ ضيق صدورهم عن قتالكم إنَّما هو لقذف الله تعالى الرُّعب في قلوبهم، ولو قوَّى الله تعالى قلوبهم على قتالكم لقاتلوكم، {فإن اعتزلوكم} أَيْ: في الحرب {وألقوا إليكم السلم} أَي: الصُّلح {فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً} في قتالهم وسفك دمائهم، ثمَّ أمره بقتال مَنْ لم يكن على مثل سبيل هؤلاء، فقال: {ستجدون آخرين..} الآية. هؤلاء قومٌ كانوا يظهرون الموافقة لقومهم من الكفَّار، ويظهرون الإِسلام للنبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، يريدون بذلك الأمن في الفريقين، فأطلع الله نبيَّه عليه السَّلام على نفاقهم، وهو قوله: {يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم} وقوله: {كلما رُدُّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} كلَّما دُعوا إلى الشِّرك رجعوا فيه {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً} أَيْ: حجَّة بيِّنةً في قتالهم؛ لأنَّهم غَدَرةٌ لا يُوفون لكم بعهدٍ.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9